يعد اختيار نوع الجنين أحد اهتمامات البشرية
من قديم الزمن، و ذلك لأسباب بيئية و اقتصادية. وقد ظل اختيار نوع
الجنين محل اهتمام الأطباء في التاريخ المعاصر، و ذلك لأن المقدرة
في التحكم في نوع الجنين قد تساعد كثيرا في التحكم في الأمراض
الوراثية التي توّرث عن طريق الكروموزوم س بصورة متنحية مثل بعض
أنواع ضمور العضلات و الهيموفيليا و غيرها، و ذلك عن طريق إنجاب
الإناث حيث أنهن لا يتأثرن بهذه الأمراض بصفة عامـة. كذلك وجد
العاملون في مجال طب المجتمع في اختيار نوع الجنين نوعا من التحكم
في نوع الأطفال في الأسـرة مما قد يؤثر بصورة إيجابية على الحياة
الأسرية و على المجتمع.
و قد سجل التاريخ القديم محاولات عديدة للتحكم في اختيار نوع
الجنين، لكن أيا منها لم يكتب لها النجاح. أما في العصر الحاضر فقد
وصف الباحثون عدة طرق للتحكم في نوع الجنين، بعضها شائع و بسيط مثل
الطرق التي تعتمد على نوع الغـذاء و بعضها أكثر تعقيدا. ففي
الطريقة الغذائية وصف الباحثون إتباع المرأة لأنظمة غذائية بها
درجات عالية من أملاح الصوديوم و البوتاسيوم لفترة لا تقل عن شهر
قبل الحمل للحصول على جنين ذكر، أو أغذية غنية بأملاح الكالسيوم و
الماغنسيوم لإنجاب الإناث، إلا أن هذه الطريقة لم يتم إثباتها
علميا بصورة قاطعة.
و قد تم استخدام طرق أخرى مثل توقيت وقت الجماع ليتزامن مع وقت
التبويض، أو استخدام أدوية مساعدة التبويض أو التلقيح الصناعي
وتأثير هذه العوامل على نوع الجنين، إلا أن جدلا كبيرا قد حدث بين
الباحثين حول مدى ونوعية هذا التأثير بسـبب اختلاف وتعارض نتائج
الأبحاث التي تعرضت لتأثير هذه العوامل على نوع الجنين، وفي كل
الأحوال فان نتائج هذه الطرق لم تكن كافية للاعتماد عليها بصورة
فعالة، و غير مناسبة للتطبيق العملي.
وقد وصفت عدة طرق أخرى لاختيار نوع الجنين بفصل الحيوانات المنوية
الحاملة للكروموزوم س عن تلك الحاملة للكروموزوم ص اعتمادا على
فروض اختلافات في الحركة والكثافة بين النوعين، وإتباع ذلك
بالتلقيح الصناعي مستخدمين الحيوانات المنوية الحاملة للكروموزوم
المطلوب. في إحدى الطرق وصف الباحثون مقدرة الحيوانات المنوية
الحاملة للكروموزوم ص على اختراق أنابيب مملوءة بالزلال بصـورة
أكبر من تلك الحاملة للكروموزوم س وذلك لافتراض مقدرتها على الحركة
بصورة أسرع، وبذلك يمكن الحصول على عينات تحتوي على الكروموزوم ص
بصورة أكبر. وفي طريقة أخرى ذكر الباحثون نتائج لفصل عدد أكبر من
الحيوانات المنوية الحاملة للكروموزوم س عن طريق ترشيح السائل
المنوي خلال وسط مكون من إحدى مشتقات السيليكا المعروفة باسم
سيفادكس. وفي تجارب أخرى ذكر الباحثون أنه بعد إخضاع السـائل
المنوي لعملية طرد مركزي خلال مادة البركول يتم الحصول على عينات
بها نسبة أكبر من الحيوانات المنوية الحاملة للكروموزوم س. وفي
تجارب أخرى وصف الباحثون أنه بتعريض السائل المنوي لعملية الطرد
المركزي بسرعة معيّنة ووقت معّين حتى تتركز الحيوانات المنوية في
قاع الأنبوبة ثم تركها لتسبح في الجزء العلوي من السائل، نتائج
تفيد بزيادة الحيوانات المنوية الحاملة للكروموزوم ص في هذا الجزء
من السائل.
وقد سجل الباحثون نتائج ذات دلالات إكلينيكية مستخدمين هذه الطرق
في عدة تجارب، إلا أن نتائج معظم هذه التجارب لا يمكـن الاعتماد
عليها بصورة إحصائية حقيقية نتيجة عيوب في تنفيذ تلك التجارب حيث
تم معظمها على عدد صغير من الحالات مع افتقادها وجود مجموعة ضابطة.
ومع استخدام الطرق الحديثة التي تحدد نوع الحيوانات المنوية بدقة
فقد تم إثبات عدم فاعلية معظم تلك الطرق لفصل الحيوانات المنوية
مثل طرق استخدام الزلال والسيفادكس و الطرق التي تعتمد علي حركة
الحيوانات المنوية في الجزء العلوي من السائل بعد تركيزها. أما
استخدام طريقة الطرد المركزي للسائل المنـوي خلال مـادة البركول
فقد أثبتت فاعليتها إلا أن النتائج المحققة لا ترقى لمستوى النتائج
المرجوّة التي يمكن الاعتماد عليها بصورة عملية ناجحة.
وقد تم مؤخرا استخدام طريقة لفصل الحيوانات المنوية الحاملة
للكروموزوم س عن تلك الحاملة للكروموزوم ص اعتمادا على الفرق في
الحجم بين النوعين، حيث يحتوي الكـروموزوم س علي كمية أكبر من حمض
النواة من تلك الموجودة في للكـروموزوم ص بنسبة 2.8% و بالتالي فهو
يتميز بحجم أكبر. وتتم عملية الفصل بتمرير الحيوانات المنوية بعد
صبغها بالصبـغة الحيوية هوكست 33342 خلال أشعة فوق البنفسجية في
جهاز مخصص لذلك. وتعتبر هذه الطريقة الآن هي الوحيدة التي تم إثبات
نتائجها بصورة معملية و إكلينيكية مؤكدة و بدقة فائقة، إلا أن عدد
الحيوانات المنوية الناتج عن هذه الطريقة يكون قليلا مما يستلزم
إجراء الإخصاب عن طريق أطفال الأنابيب. وقد شكك البعض في مدى أمان
الصبغة الحيوية هوكست 33342 والأشـعة فوق البنفسجية على الحيـوانات
المنوية، إلا أنه بالرغم من تلك الشكوك فقد تمت بنجاح أول ولادة
لطفلة طبيعية تماما باستخدام هذه الطريقة في سنة 1995.
وبجانب الطرق المختلفة المستخدمة لفصل الحيوانات المنوية، فهناك
طريقة أخرى لاختيار نوع الجنين عن طريق تحديد نوع الأجنة في برامج
أطفال الأنابيب، ثم يتم نقل الأجنة ذات النوع المطلوب فقط إلي
الرحـم، إلا انه لم يتم استخدام هذه الطريقة حتى الآن إلا لمنع
الأمراض الوراثية التي توّرث عن طريق الكروموزوم س بصورة متنحية.
وقد أثير مؤخرا جدلا واسعا حول مدى أخلاقية استخدام طرق اختيار نوع
الجنين للأسباب البيئية والاقتصادية، حيث يتنافى اختيار نوع الجنين
على أساس الجنس (لغير الأسباب الطبية) مع أبسط مبـادئ المساواة بين
الجنسين، خاصة بعد أن أظهرت التقارير المتوفرة من مراكز اختيار نوع
الجنين في أنحاء مختلفة من العـالم تفضيل الزوجين لإنجاب الذكور عن
الإناث بصـفة عامة. وقد منعت عدة هيئات وحكومات استخدام طرق اختيار
نوع الجنين لغير الأسباب الطبية، كما صدرت مؤخرا عدة توصيات
بمراقبة استخدام تلك الطـرق وتحديد ضوابط لها، وذلك لمنع حدوث
تغيرات محتملة في نسب السكّان من الجنسين في حالة العمل بها بدون
رقابة تضمن عدم استخدامها في غير المجالات الطبية.