جدل في الغرب: الأجنة المجمدة لمن؟

اعتبرت المحكمة الأوربية بستراسبورج أن
تحديد هبة الحياة للجنين المجمد تتوقف على القوانين السارية في كل
دولة، وذلك على خلفية دعوى رفعتها بريطانية لاستعادة أجنة مجمدة
لها ولخطيبها السابق دون موافقة الأخير.

وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية، فإن ناتالي إيفنز، بريطانية
الجنسية، أعلنت أنها ستسأنف الحكم الذي ردت المحكمة الأوربية لحقوق
الإنسان بمقتضاه شكواها لاستخدام أجنة مجمدة من خطيبها السابق قبل
انفصالهما، بعد أن فشلت في الحصول على حكم يسمح لها بذلك من
المحاكم البريطانية.

ويشترط القانون البريطاني موافقة صاحب الحيوان المنوي وصاحبة
البييضة، ويحق لأي منهما إلغاء موافقته قبل زرع الجنين في رحم
الأم.

ورغم معارضة خطيبها السابق لمنحها أجنة مجمدة لهما معا من أجل
استنباتها، قالت ناتالي إيفنز (35 عاما) التي أطلقت هذه المعركة
القضائية قبل 4 سنوات: ‘لقد خيب الحكم أملي وأعتزم استئنافه ما زلت
مصرة على القيام بكل ما هو ممكن للحصول على طفل’، إلا أنها أعربت
عن أملها في أن يغير خطيبها السابق رأيه.

وكانت إيفنز التي أصبحت الآن غير قادرة على الإنجاب لفقدها خصوبتها
بسبب علاج السرطان، استنفدت جميع الطعون أمام القضاء البريطاني.
ورأت المحكمة الأوربية بستراسبورج أن ‘تحديد هبة الحياة رهن بهامش
التقييم للدول’.

وأقرت المحكمة المختصة بحقوق الإنسان في حيثيات حكمها بأن ‘القانون
البريطاني لا يعترف بالجنين كشخص قانوني قائم بذاته ولا يجيز له حق
الحياة الذي تضمنته المعاهدة’ الأوربية لحقوق الإنسان، كما يتطلب
موافقة الطرفين المالكين للجنين على عملية تخليقه.

ورغم ذلك أبدى قضاة محكمة ستراسبورج، وعددهم سبعة، تعاطفهم مع
المدعية لأنها ستحرم من فرصة الإنجاب كما جاء في نص الحكم الذي
أصدروه.

وكان هاوورد جونستون خطيب إيفنز السابق قد وافق على أن تقوم
الأخيرة بعد أن أصيبت بسرطان في الرحم بعملية تلقيح اصطناعي في
2001 تم خلالها تجميد 6 أجنة، قامت بتخزينها حتى تستخدمها مستقبلا.
وبعد انفصالهما رفض جونستون أن تستخدم هذه الأجنة لعدم رغبته في
الإنجاب منها.

وعبّر نشطاء في حقوق الإنسان عن تعاطفهم أيضا مع إيفنز، فيما يرى
بعضهم أن جونستون أصبح ‘أبا بمجرد موافقته على تخصيب بييضات
خطيبته’.

تطرق الدكتور أحمد عبد الله الخبير النفسي إلى حيثيات حكم محكمة
ستراسبورج التي رأت أن ‘هبة الحياة رهن بهامش التقييم للدول’،
مؤكدا أن الأمر يتعلق هنا بغياب المرجعيات؛ ‘فالمرجعية الوحيدة في
تلك القضية هي الله وحده؛ فالله فقط هو واهب الحياة ولا أحد يمكنه
أن يناقش أمرا كهذا’.

وأضاف أن الغرب يعيش في فوضى في إطار النسبية المطلقة بعد تزايد
سؤال أصبح يفرض نفسه إزاء كافة القضايا وهو ‘لِمَ لا؟’.

افتقاد مرجعية عليا

وأشار الدكتور أحمد عبد الله إلى أن هذا الخلط والتخبط نتج عن
فقدان أو غياب مرجعية عليا تحدد المقبول والمحرم والمستهجن في
الغرب، وهذا أفضى بدوره إلى غياب محددات القبول والرفض لأي قضية،
ولذلك ‘فإذا أرادت فتاة مثلا إشباع حاجاتها الجنسية فإنها يمكنها
تحقيق ذلك بعيدا عن الزواج، وإذا أرادت إشباع غريزة الأمومة فيمكن
عن طريق التبني أو استنبات جنين صناعي أيضا بعيدا عن الزواج وهلم
جرا’.

وأوضح الدكتور عبد الله الاستشاري بشبكة ‘إسلام أون لاين.نت’ أن
‘هناك فصلا في إشباع وتلبية الحاجات الإنسانية لدى الغربيين حيث
تنفصل الأمومة عن الزواج عن قضاء الحاجة الجنسية، وكل واحدة غالبا
ما يمكن إشباعها دون وجود ارتباط شرطي بين عناصر هذه المنظومة وهي
مؤسسة الزواج’.

من جانبهم، استنكر باحثون إسلاميون هذه القضية، واعتبرها البعض
جريمة أخلاقية وإنسانية، مطالبين بالكف عن ‘مثل هذا العبث العلمي
والأخلاقي’.

كما دعوا المجتمع الغربي والكنسية خاصة لبذل جهد أكبر لحث رعاياها
على التمسك بالقيم الفاضلة التي تشترك فيها الأديان كلها، واصفين
مثل تلك الأمور بأنها أحد تجليات الفوضى التي يعيشها الغرب في
مضمار العلم والمجتمع والأسرة.

وقال مسعود صبري الباحث الشرعي بكلية دار العلوم بالقاهرة ‘إنه من
الحكمة أن يكون هناك قانون يجرم مثل هذا العمل اللأخلاقي، حفاظا
على قيمة الإنسان الذي كرمه الله تعالى في كتبه كلها، ومثل هذا
الإنجاب يعد إهانة للإنسان يجب محاربتها’، وشدد في دعوته على تجريم
هذا العمل حيث ‘يحرم حفظ السائل المنوي لغير الزوجين، لما قد يؤدي
إليه من ضرر فاحش’.

ويوضح الشيخ عصام الشعار أن ‘إشباع غريزة الأمومة أحاطها الشارع
بسياج منيع وجعل السبيل إليها هو الزواج، أما أن يتم الأمر بعيدا
عن هذه المظلة الشرعية فهنا يتدخل الشارع لحماية الأعراض والأنساب،
فإذا كان من حق المرأة أن تشبع غريزة الأمومة فإن حق الطفل أيضا أن
ينشأ في محضن صحي سليم، ولا يعير في المستقبل بأنه ابن سفاح’.

حكمة الإسلام

ويشير الباحث مسعود صبري إلى أن ‘من حكمة الإسلام أنه جعل للناس
مقاصد عظمى يجب الحفاظ عليها، ومن ضمن تلك المقاصد الحفاظ على
النسل’.

وأشار إلى أنه ‘يعتبر تلك المقاصد إنسانية، نلحظ قيمتها في الأديان
كلها، وتتفق عليها الشرائع السماوية والأعراف الإنسانية العاقلة’.

وقال: إن وجهة نظر الإسلام في ذلك حسمها قول النبي صلى الله عليه
وسلم: ‘الولد للفراش، وللعاهر الحجر’، ونهيه أيضا صلى الله عليه
وسلم أن يضع الرجل سائله المنوي في امرأة لا تحل له، فقال صلى الله
عليه وسلم: ‘لا تسق ماءك زرع غيرك’.

وجاء رأي الشيخ عصام الشعار الباحث الشرعي مطابقا للفتوى السابقة
حيث قال: ‘حسمت المجامع الفقهية الأمر وانتهت إلى أن التلقيح
الصناعي يكون جائزا إذا كان الماء الذي تم به التلقيح هو ماء الزوج
والزوجة، وأن يتم التلقيح في أثناء قيام الزوجية، ولا يجوز التلقيح
بعد انتهاء الزوجة بموت أو طلاق’.

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on pinterest
Share on reddit
Share on vk
Share on tumblr
Share on mix
Share on pocket
Share on telegram
Share on whatsapp
Share on email

More Interesting Posts

Leave a comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *